عمر شكري المشرف العام
عدد المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 01/04/2010
| موضوع: دراسة السيرة النبوية وأهميتها في المنهج الإسلامي الجمعة أبريل 16, 2010 1:14 am | |
| النبي الخاتم والرسول الأمين محمد بن عبد الله أمرنا الله - تبارك وتعالى - بالتأسي به وجعله قدوتنا في الحياة يقول - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الأحزاب21، كما أمرنا الله - تعالى - بمحبته (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) التوبة24..فكيف يتحقق هذا الاقتداء ويتصل القلب بهذه المحبة دون دراسة سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم -؟!
إن بعض المناهج والمدارس الإسلامية تغفل دراسة السيرة النبوية إما عن غفلة عن أهميتها ومكانتها في المنهج الإسلامي ودورها في بناء الفهم الإسلامي المستقيم، وإما عن توجس مما قد يكون اعتراها مما يعتري كتب التاريخ عادة من بعض الأخطاء، كما تعمد بعض الدراسات إلى استنطاق مواقف السيرة أحكاما ودلالات تخدم توجها مذهبيا أو حزبيا معينا بصرف النظر عن احتمال هذه المواقف تلك التأويلات والنتائج من عدمه..
والواقع أن المنهج الإسلامي في حاجة إلى دراسات تعيد للسيرة النبوية المطهرة مكانتها وترد إليها اعتبارها بوصفها واحدة من أهم مصادر الفهم الإسلامي الصحيح، وكذا تنقيها وتنقحها من كل تأويل خاطئ أو فهم مغلوط قد لحق بها أو اختلط بمنهجها، عسى أن تساهم هذه السطور في التمهيد لتلك الدراسات المرجوة لإعادة السيرة النبوية إلى مكانتها الطبيعية اللائقة..
أولا أهمية دراسة السيرة النبوية:
1 المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم.. أو هي التطبيق العملي للقرآن، أو التفسير العملي للقرآن، فلا شك أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أول وأعظم من فهم القرآن الكريم، فهو مبلغ الرسالة عن ربه - عز وجل -، وهو أعظم من فسر هذا الكتاب الخالد، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقدم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة - أحاديث نبوية - فحسب، ولا قدم تفسيره هذا بين دفتي كتاب يقرأ، ولكنه قدم هذا التفسير وذلك الفهم من خلال حياته العملية والدعوية كلها، فكانت حياته كلها ترجمة فعلية حية للقرآن الكريم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عنه السيدة عائشة - رضي الله عنها -: (خلقه القرآن أو كان قرآنا يمشي على الأرض)، كما تعد مواقف السيرة النبوية كلها أرضا خصبة للمفسرين بما توفره من معرفة أسباب نزول الآيات والمواقف التي نزلت فيها، وكيفية تطبيق الجيل الأول من المسلمين لها، حتى يكاد يستعصي علينا فهم بعض معاني القرآن الكريم في معزل عن الحياة والبيئة التي تنزل فيها، وهي ما تعرف بالسيرة النبوية المطهرة..
2 ضمان عدم الغلو أو التعسف في فهم النصوص وضبط ذلك بتطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ولا توفر السيرة النبوية - وهي التي تجمع مواقفه - صلى الله عليه وسلم - كلها تفسيرا دقيقا للقرآن الكريم بالمعنى اللغوي فحسب، ولكنها تعطينا أهم عنصر من عناصر ضبط الفهم الإسلامي بعيدا عن الغلو أو الخطأ أو التعسف، لأننا حين نجمع النصوص إلى طريقة تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه النصوص، مع إيماننا المطلق بأن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم أهل الأرض بمراد الله - تعالى -من قوله، وأنه أوتي القرآن ومثله معه وهو الحكمة (1) (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)البقرة151، (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) الأحزاب34، ندرك أنه ليس في إمكاننا فهم النصوص قرآنا وسنة فهما لغويا مجردا في معزل عن طريقة تطبيق النبي لها، ونحن مأمورون في كتاب الله بطاعته وإتباعه (من يطع الرسول فقد أطاع الله)النساء80 (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)آل عمران31، وهو القائل: "خذوا عني مناسككم" (2).. ومثال على ذلك قوله - تعالى -: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) التوبة 73، [التحريم: 9]، ورغم أن حدود اللغة تقطع بأن جهاد الكفار والمنافقين على حد سواء، وأن المنافقين معطوفة على الكفار، غير أن تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - للنص، وامتناعه من قتل عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق وزعيم المنافقين، ونهيه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي من ذلك " بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا"(3)، وكذا نهيه عمر بن الخطاب عن ذلك وحمايته من القتل وقوله لعمر: " حتى لا تحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه"(4).. وكذا حمايته لدماء المنافقين بعدم إفشاء سرهم للصحابة واستئمان حذيفة بن اليمان وحده على ذلك، كل ذلك يضعنا أمام فهم مغاير تماما للمعنى اللغوي للآية الكريمة، ويقدم لنا تفسيرا عمليا يتعدى حدود اللغة المجردة إلى فهم أعمق وأشمل، ونجد أنفسنا في النهاية مسلمين بطريقة تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - عبادة وطاعة وإتباعا، وعلى ذلك نستطيع أن نحكم على فهم من يطالب بقتل المنافقين والعملاء مستشهدا بالآية الكريمة في معزل عن تطبيق النبي لها، بأنه فهم مغلوط لا يتفق وطبيعة المنهج الإسلامي، وهذا هو تفسير المفسرين للآية فكيف فسروها هكذا إلا في ضوء تطبيق النبي - صلى الله عليه وسلم - لها؟: وقال ابن عباس أمره الله - تعالى -بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم وقال الضحاك جاهد الكفار بالسيف وأغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم وعن مقاتل والربيع مثله وقال الحسن وقتادة ومجاهد ومجاهدتهم إقامة الحدود عليهم وقد يقال إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم(5).. ومثل ذلك ينطبق على كثير من النصوص قرآنا وسنة..
3 ربط القلوب بصاحب السيرة العطرة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن دواعي وأسباب تحقيق محبته دراسة سيرته ومواقفه وحياته كلها.. فتحقيق محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهم واجبات المسلم في الحياة لتحقيق الإيمان يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "(6)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمر بن الخطاب في البخاري: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه "(7) والسيرة النبوية هي من أهم وسائل تحقيق هذه المحبة واستقرارها في القلوب..
4 تقديم قدوة عملية خالدة للأجيال المسلمة على مر العصور من خلال حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته كقصة حياة كاملة.. يقول الله- تبارك وتعالى -(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، ويقول - تعالى - (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ولما بسط الله - تعالى -بعض قصص الأنبياء في سورة الأنعام عقب على ذلك بقوله: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)الأنعام90.. فالمطالبة بالاقتداء بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تستوجب دراسة مسيرة حياته بكل دقائقها وتفاصيلها للتأسي بها في كل موقف من مواقف الحياة المعاصرة..
5 المضي على منهج القرآن الكريم الذي قص علينا سير الأنبياء السابقين مثل (آدم - نوح - إبراهيم يوسف - موسى عيسى وأمه مريم.. عليهم جميعا السلام) بصورة شبه كاملة تقريبا.. فأصبح لزاما علينا أن نجمع سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك، لتحقيق الأهداف التي من أجلها بسط الله - تعالى -سير الأنبياء عموما..
6 السيرة النبوية مع الحديث الشريف يمثلان معا السنة النبوية وهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم من مصادر التشريع الإسلامي، لأن السنة النبوية تشمل الأقوال والأفعال والتقرير، وإذا كان علم الحديث يقوم في المقام الأول على الأقوال فإن المواقف والأفعال والمواقف التقريرية تعتبر عماد السيرة النبوية، وإذا كانت كتب السنة والصحاح قد حوت كل ذلك دون تفرقة بين الحديث المنطوق وبين المواقف المختلفة، إلا أنه جاز جمع ما يمثل سيرته - صلى الله عليه وسلم - جمعا مستقلا لتحقيق الأهداف المرجوة من دراسة السيرة النبوية.. يقول الدكتور البوطي عن كتب الحديث: وإن كانت عناية هذه الكتب الأولى تنصرف إلى أقوال رسول الله وأفعاله من حيث أنها مصدر تشريع لا من حيث هي تاريخ يدون. (
7 حث الإسلام على ذلك.. يقول بعض الصحابة: " كنا نعلم أبناءنا الغزوة من غزوات النبي كما نعلمهم السورة من القرآن "، وانظر إلى أحاديث جابر بن عبد الله الأنصاري الطوال وهو يروي عن بعض غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثل ما رواه عنه في غزوة الأحزاب وغيرها، وحديث كعب بن مالك عن المخلفين عن غزوة تبوك وهو حديث طويل دخل ولا شك في باب القصص التاريخي في المقام الأول، حتى إن أول من جمع المغازي كانوا أبناء الصحابة من أمثال عروة بن الزبير وأبان بن عثمان بن عفان(9)، وسمح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لتميم الداري بالجلوس مرة واحدة في الأسبوع في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليقص سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصصه وأخبار الأمم السابقة (10)..
| |
|